فصل: تفسير الآيات (81- 82):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (78):

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78)}
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} أي من اليهود.
وقيل: من اليهود والمنافقين أميون، أي من لا يكتب ولا يقرأ، واحدهم أمي، منسوب إلى الامة الأمية التي هي على أصل ولادة أمهاتها لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها، ومنه قوله عليه السلام: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» الحديث. وقد قيل لهم إنهم أميون لأنهم لم يصدقوا بأم الكتاب، عن ابن عباس.
وقال أبو عبيدة: إنما قيل لهم أميون لنزول الكتاب عليهم، كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب، فكأنه قال: ومنهم أهل الكتاب لا يعلمون الكتاب. عكرمة والضحاك: هم نصارى العرب.
وقيل: هم قوم من أهل الكتاب، رفع كتابهم لذنوب ارتكبوها فصاروا أميين. علي رضي الله عنه: هم المجوس.
قلت: والقول الأول أظهر، والله اعلم.
الثانية: قوله تعالى: {لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ} {إِلَّا} هاهنا بمعنى لكن، فهو استثناء منقطع، كقوله تعالى: {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ}.
وقال النابغة:
حلفت يمينا غير ذي مثنوية ** ولا علم إلا حسن ظن بصاحب

وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج {إلا أماني} خفيفة الياء، حذفوا إحدى الياءين استخفافا. قال أبو حاتم: كل ما جاء من هذا النحو واحده مشدد، فلك فيه التشديد والتخفيف، مثل أثافي وأغاني وأماني، ونحوه.
وقال الأخفش: هذا كما يقال في جميع مفتاح: مفاتيح ومفاتح، وهي ياء الجمع. قال النحاس: الحذف في المعتل أكثر، كما قال الشاعر:
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ** ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع

والأماني جمع أمنية وهي التلاوة، واصلها أمنوية على وزن أفعولة، فأدغمت الواو في الياء فانكسرت النون من أجل الياء فصارت أمنية، ومنه قوله تعالى: {إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
وقال كعب بن مالك:
تمنى كتاب الله أول ليلة ** وآخره لاقى حمام المقادر

وقال آخر:
تمنى كتاب الله آخر ليله ** تمني داود الزبور على رسل

والأماني أيضا الأكاذيب، ومنه قول عثمان رضي الله عنه: ما تمنيت منذ أسلمت، أي ما كذبت. وقول بعض العرب لابن دأب وهو يحدث: أهذا شيء رويته أم شيء تمنيته؟ أي افتعلته. وبهذا المعنى فسر ابن عباس ومجاهد {أَمانِيَّ} في الآية. والأماني أيضا ما يتمناه الإنسان ويشتهيه. قال قتادة: {إِلَّا أَمانِيَّ} يعني أنهم يتمنون على الله ما ليس لهم.
وقيل: الأماني التقدير، يقال: مني له أي قدر، قال الجوهري، وحكاه ابن بحر، وأنشد قول الشاعر:
لا تأمنن وإن أمسيت في حرم ** حتى تلاقي ما يمني لك الماني

أي يقدر لك المقدر.
الثالثة: قوله تعالى: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} إِنْ بمعنى ما النافية، كما قال تعالى: {إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}. و{يَظُنُّونَ} يكذبون ويحدثون، لأنهم لا علم لهم بصحة ما يتلون، وإنما هم مقلدون لاحبارهم فيها يقرءون به. قال أبو بكر الأنباري: وقد حدثنا أحمد بن يحيى النحوي أن العرب تجعل الظن علما وشكا وكذبا، وقال: إذا قامت براهين العلم فكانت أكثر من براهين الشك فالظن يقين، وإذا اعتدلت براهين اليقين وبراهين الشك فالظن شك، وإذا زادت براهين الشك على براهين اليقين فالظن كذب، قال الله عز وجل: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} أراد إلا يكذبون.
الرابعة: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: نعت الله تعالى أحبارهم بأنه يبدلون ويحرقون فقال وقوله الحق: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ} الآية. وذلك أنه لما درس الامر فيهم، وساءت رعية علمائهم، وأقبلوا على الدنيا حرصا وطمعا، طلبوا أشياء تصرف وجوه الناس إليهم، فأحدثوا في شريعتهم وبدلوها، وألحقوا ذلك بالتوراة، وقالوا لسفهائهم: هذا من عند الله، ليقبلوها عنهم فتتأكد رئاستهم وينالوا به حطام الدنيا وأوساخها. وكان مما أحدثوا فيه أن قالوا: ليس علينا في الأميين سبيل، وهم العرب، أي ما أخذنا من أموالهم فهو حل لنا. وكان مما أحدثوا فيه أن قالوا: لا يضرنا ذنب، فنحن أحباؤه وأبناؤه، تعالى الله عن ذلك! وإنما كان في التوراة" يا أحباري ويا أبناء رسلي" فغيروه وكتبوا" يا أحبائي ويا أبنائي" فأنزل الله تكذيبهم: {وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}. فقالت: لن يعذبنا الله، وإن عذبنا فأربعين يوما مقدار أيام العجل، فأنزل الله تعالى: {وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً}. قال ابن مقسم: يعني توحيدا، بدليل قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً} يعني لا إله إلا الله {فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ}. ثم أكذبهم فقال: {بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}. فبين تعالى أن الخلود في النار والجنة إنما هو بحسب الكفر والايمان، لا بما قالوه.

.تفسير الآية رقم (79):

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله: {فَوَيْلٌ} اختلف في الويل ما هو، فروى عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه جبل من نار.
وروى أبو سعيد الخدري أن الويل واد في جهنم بين جبلين يهوى فيه الهاوي أربعين خريفا.
وروى سفيان وعطاء بن يسار: أن الويل في هذه الآية واد يجرى بفناء جهنم من صديد أهل النار.
وقيل: صهريج في جهنم.
وحكى الزهراوي عن آخرين: أنه باب من أبواب جهنم. وعن ابن عباس: الويل المشقة من العذاب.
وقال الخليل: الويل شدة الشر. الأصمعي: الويل تفجع، والويح ترحم. سيبويه: ويل لمن وقع في الهلكة، وويح زجر لمن أشرف على الهلكة. ابن عرفة: الويل الحزن، يقال: تويل الرجل إذا دعا بالويل، وإنما يقال ذلك عند الحزن والمكروه، ومنه قوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ}.
وقيل: أصله الهلكة، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومنه قوله تعالى: {يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ}. وهى الويل والويلة، وهما الهلكة، والجمع الويلات، قال:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم

وقال أيضا:
فقالت لك الويلات إنك مرجلى

وارتفع {فَوَيْلٌ} بالابتداء، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لان فيه معنى الدعاء. قال الأخفش: ويجوز النصب على إضمار فعل، أي ألزمهم الله ويلا.
وقال الفراء: الأصل في الويل وي أي حزن، كما تقول: وى لفلان، أي حزن له، فوصلته العرب باللام وقدروها منه فأعربوها. والأحسن فيه إذا فصل عن الإضافة الرفع، لأنه يقتضى الوقوع. ويصح النصب على معنى الدعاء، كما ذكرنا. قال الخليل: ولم يسمع على بنائه إلا ويح وويس وويه وويك وويل وويب، وكله يتقارب في المعنى. وقد فرق بينها انتصاب المصادر ويله وعوله وويحه وويسه، إذا أدخلت اللام رفعت فقلت: ويل له، وويح له.
الثانية: قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ} الكأبة معروفة. وأول من كتب بالقلم وخط به إدريس عليه السلام، وجاء ذلك في حديث أبى ذر، خرجه الآجري وغيره. وقد قيل: إن آدم عليه السلام أعطى الخط فصار وراثة في ولده.
الثالثة: قوله تعالى: {بِأَيْدِيهِمْ} تأكيد، فإنه قد علم أن الكتب لا يكون إلا باليد، فهو مثل قوله: {وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ}، وقوله: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ} وقيل: فائدة {بِأَيْدِيهِمْ} بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم، فإن من تولى الفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله وإن كان رأيا له.
وقال ابن السراج: {بِأَيْدِيهِمْ} كناية عن أنهم من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم.
الرابعة: في هذه الآية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع، فكل من بدل وغير أو ابتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد، والعذاب الأليم، وقد حذر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته لما قد علم ما يكون في آخر الزمان فقال: «ألا من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الامة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» الحديث، وسيأتي. فحذرهم أن يحدثوا من تلقاء أنفسهم في الدين خلاف كتاب الله أو سنته أو سنة أصحابه فيضلوا به الناس، وقد وقع ما حدره وشاع،. كثر وذاع، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الخامسة: قوله تعالى: {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا} وصف الله تعالى ما يأخذونه بالقلة، إما لفنائه وعدم ثباته، وإما لكونه حراما، لأن الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند الله. قال ابن إسحاق والكلبي: كانت صفة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتابهم ربعة أسمر، فجعلوه آدم سبطا طويلا، وقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبهه نعت هذا، وكانت للأحبار والعلماء رئاسة ومكاسب، فخافوا إن بينوا أن تذهب مآكلهم ورئاستهم، فمن ثم غيروا. ثم قال تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} قيل من المآكل. وقيل من المعاصي. وكرر الويل تغليظا لفعلهم.

.تفسير الآية رقم (80):

{وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (80)}
فيه ثلاث مسائل: الأولى قوله تعالى: {وَقالُوا} يعني اليهود. {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} اختلف، في سبب نزولها، فقيل: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لليهود: «من أهل النار». قالوا: نحن، ثم تخلفونا أنتم. فقال: «كذبتم لقد علمتم أنا لا نخلفكم» فنزلت هذه الآية، قال ابن زيد.
وقال عكرمة عن ابن عباس: قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة واليهود تقول: إنما هذه الدنيا سبعة آلاف، وإنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واحد في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام، فأنزل الله الآية، وهذا قول مجاهد. وقالت طائفة: قالت اليهود إن في التوراة أن جهنم مسيرة أربعين سنة، وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم. ورواه الضحاك عن ابن عباس. وعن ابن عباس: زعم اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم. وقالوا: إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك. وعن ابن عباس أيضا وقتادة: أن اليهود قالت إن الله أقسم أن يدخلهم النار أربعين يوما عدد عبادتهم العجل، فأكذبهم الله، كما تقدم.
الثانية: في هذه الآية رد على أبي حنيفة وأصحابه حيث استدلوا بقوله عليه السلام: «دعى الصلاة أيام أقرائك» في أن مدة الحيض ما يسمى أيام الحيض، وأقلها ثلاثة وأكثرها عشرة، قالوا: لان ما دون الثلاثة يسمى يوما ويومين، وما زاد على العشرة يقال فيه أحد عشر يوما ولا يقال فيه أيام، وإنما يقال أيام من الثلاثة إلى العشرة، قال الله تعالى: {فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} , {تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ}، {سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} فيقال لهم: فقد قال الله تعالى في الصوم: {أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ} يعني جميع الشهر، وقال: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ} يعني أربعين يوما. وأيضا فإذا أضيفت الأيام إلى عارض لم يرد به تحديد العدد، بل يقال: أيام مشيك وسفرك وإقامتك، وإن كان ثلاثين وعشرين وما شئت من العدد، ولعله أراد ما كان معتادا لها، والعادة ست أو سبع، فخرج الكلام عليه، والله اعلم.
الثالثة: قوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ} تقدم القول في أتخذ فلا معنى لإعادته {عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً} أي أسلفتم عملا صالحا فآمنتم وأطعتم تستوجبون بذلك الخروج من النار أو هل عرفتم ذلك بويح الذي عهده إليكم {فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} توبيخ وتقريع.

.تفسير الآيات (81- 82):

{بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {بَلى} أي الامر كما ذكرتم. قال سيبويه: ليس بلى ونعم اسمين. وإنما هما حرفان مثل بل وغيره، وهي رد لقولهم: إن تمسنا النار.
وقال الكوفيون: أصلها بل التي للإضراب عن الأول، زيدت عليها الياء ليحسن الوقف، وضمنت الياء معنى الإيجاب والانعام. ف بل تدل على رد الجحد، والياء تدل على الإيجاب لما بعد. قالوا: ولو قال قائل: ألم تأخذ دينارا؟ فقلت: نعم، لكان المعنى لا، لم آخذ، لأنك حققت النفي وما بعده. فإذا قلت: بلى، صار المعنى قد أخذت. قال الفراء: إذا قال الرجل لصاحبه: ما لك علي شي، فقال الأخر: نعم، كان ذلك تصديقا، لأن لا شيء له عليه، ولو قال: بلى، كان ردا لقوله، وتقديره: بلى لي عليك.
وفي التنزيل: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} ولو قالوا نعم لكفروا.
الثانية: قوله تعالى: {سَيِّئَةً} السيئة الشرك. قال ابن جريج قلت لعطاء: {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً}؟ قال: الشرك، وتلا {وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}.
وكذا قال الحسن وقتادة، قالا: والخطيئة الكبيرة.
الثالثة: لما قال تعالى: {بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} دل على أن المعلق على شرطين لا يتم بأقلهما، ومثله قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا} وقوله عليه السلام لسفيان بن عبد الله الثقفي وقد قال له: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: «قل آمنت بالله ثم استقم». رواه مسلم. وقد مضى القول في هذا المعنى وما للعلماء فيه عند قوله تعالى لآدم وحواء: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ}. وقرأ نافع {خطيئاته} بالجمع، الباقون بالإفراد، والمعنى الكثرة، مثل قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها}.